كثيراً ما نسمع عن تأسيس جمعيات ومؤسسات لحماية الطبيعة والبيئة؟ ترى ماذا ترتكز فكرة إيمان هؤلاء الناس الذين يسعون لحماية الطبيعة والبيئة بكل ما يملكون ويضحون بحياتهم وأعمالهم لأجل إنشاء تلك الجمعيات؟ ترى ما هو الدافع الذي دفع هؤلاء الناس لتبني عقيدة بدأ العالم جميعه يدرك بأنها عقيدة لها قيمتها الأخلاقية والجمالية والعلمية والاقتصادية على حد سواء...
لقد وصف أحد العلماء الإنجليزي الشهير بيتر سكوت حماية الطبيعة بأنها ترتكز على أربعة أركان:
الركن الجمالي
الركن العلمي
الركن الخلقي
الركن الاقتصادي
الركن الجمالي
لو دخل أي فرد منا حانوتاً للهدايا والمناظر الطبيعية المصنوعة من البلاستيك... و دخل حانوتاً آخر للورود والأزهار الطبيعية.. أيهما يتمتع به أكثر من الآخر.. إن عناصر التشوق للطبيعة سوف يقوده حتماً إلى حانوت الأزهار الطبيعية.. إلى جمال الطبيعة.. فجميع ظواهر الطبيعة قادت الإنسان إلى طبعها على شعره وأدبه وعلى دينه وفنون رسمه ونحته وكل ما له صلة وثيقة به...
إنني أوجه سؤلاً واحداً للجميع.. أيهما أفضل أ، تسكن في بيت ليس فيه أي شبر من الأرض الزراعية أم بيت حوله بستان وحديقة.. أيهما تختار ولماذا؟
ألا تضيف النافورة في وسط المدينة منظراً جميلاً وحضارياً على تلك المدينة.. ألا تضيف الورود والأزهار البرية الربيع منظراً طبيعياً يعشقه كل الذي ينظر إليه... ألا تلاحظ منظر الأطفال حينما يخرجون إلى الحقل والربيع.. بماذا تفسر تمتعهم طيلة النهار وعدم شعورهم بالتعب طيلة ذلك النهار الذي يقضونه في الحقول والبساتين.
من هنا فإن الإنسان لا يسعه العيش دون اللجوء إلى جمال الطبيعة ولا يستطيع مهما وصل من درجة التقدم في التكنولوجيا من الاستغناء عن الطبيعة.
فإذا كان جمال الطبيعة يكمن في شجرة أو في زهرة برية أو جدول جار أو شجاء بلبل أو تغريد عصفور.. فلا يكفي وجود هذه الأشياء في مكان ما بعيداً عنا... ولا يكفي أ، تكون في مكان ما محميات طبيعية أ, موجودات محمية في الطبيعة...
فالإنسان بحاجة إلى التمتع بهذا الجمال في كل مكان... في بيته وفي مكان عمله وفي البيئة التي يعيش فيها حياته اليومية.
الركن الخلقي....................................
إن الإنسان ككل كائن حي يصارع من أجل بقاء كيانه في المجتمع وقد ساهم مع مخلوقات أخرى في إيذاء الطبيعة ... النباتات والكائنات الحية والأجواء الطبيعية...فبفضل تحكمه بالأدوات والأساليب الفعالة وبحكم احتياجاته الحياتية المتزيدة بلغت مقاييس إيذائه وإتلافه للطبيعة حداً يفوق إيذاء المخلوقات الأخرى إلى درجة إبادة كاملة لبعض الموجودات الطبيعية وهذا التصرف في الحقيقة يجتاز حدود التصرف الذي يسمح الإنسان لنفسه أن يفعله..
لماذا؟ ثمة عهد وثيق غير مكتوب بين الكون وبين الإنسان الذي يعيش فيه.. فالكون يضع تحت تصرف الإنسان جميع موارده وكنوزه بما في ذلك النباتات والكائنات الحية التي يستعملها الإنسان، شريطة أن يأخذ الإنسان من هذه الكنوز قدر حابته فحسب، وشرط أن لا يؤدي الإنسان إلى انقراض هذه الموجودات... صحيح أن الطبيعة تقضي على مكنوناتها وموجوداتها مع مر العصور وتستبدلها بموجودات أخرى (ونحن لا زلنا نستغرب ونتأمل أسرار هذه الظاهرة) ولكن هذا لا يعني أن هذه الصلاحية ممنوحة لنا أيضاً.
الركن العلمي ..............................ز
تعتبر دراسة الطبيعة من الأسس الرئيسة للعلوم.. لا فرق إذا كنا نقصد العلوم العملية أو العلوم النظرية أو حين يمكن التمييز بينهما.
حتى في أيامنا يعزل العلم حسب الحاجة، ظواهر مختلفة ويتفحصها على انفراد، دون أخذ بيئتها بعين الاعتبار.. ولكن إدراكنا يزداد أكثر يوماً بعد يوم بأنه لا توجد هناك مثل هذه الظواهر.. إذ لا يمكن تفهم الأشياء إذا لم تكن جزءاً من مجموعة أحداث عامة..
فلا يجد الإنسان الراحة في نفسه قبل أ، يتوصل إلى تفهم عناصر وأسس الكون الذي يحيط به.. والجواب الذي يرضيه اليوم لن يكتفي به ولن يرضيه غداً.. بعد تكتشف له حقائق ومظاهر جديدة لم يكن يعرفها قبل ذلك فمن الممكن دراسة الناحية الوظيفية والتشريحية للحيوان أو للنبات إذا ما وجد لذلك.. إلا أن استنتاجات هذه الدراسة ستكون جزئية وغير متكاملة.. فهذه الدارة لا يمكن أن تكتمل إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار مجموعة التأثيرات البيئية التي تعمل على المادة التي تجري عليها الدارسة أو البحث..
الركن الاقتصادي
لقد آذى الإنسان مظاهر الطبيعة بصورة قاسية جداً من خلال تطوره الاقتصادي وقد شمل ذلك الأجواء الطبيعية المحيطة به والوقع أن الإنسانية تشعر اليوم بأنها تبتلع بسرعة المقدرات التي أودعتها الطبيعة في أيديها.. ففي الماضي البعيد كان ميزان استهلاك الإنسان للموجودات الطبيعة إيجابياً فالإنسان الذي كان يقطع شجرة لاحتياجاته الذاتية أو يصطاد حيواناً من الغابة كان يحظى بمتعة كبيرة وكان ضرر اختفاء هذه الموجودات ضئيلاً نسبياً.. أما اليوم فإن هذا الميزان قد أصبح سلبياً تماماً.. فالفائدة التي يجنيها المجتمع الذي يبيد موجودات في الطبيعة لاستخدامها في احتياجاته الذاتية هي قائدة ضئيلة بالنسبة للضرر الناجم عن فقدان هذه الموجودات على مر السنين..
يزداد تأكد الناس من يوم لآخر من أن إلحاق الضرر دون تقدير مسبق بالموجودات التي في الطبيعة يقود مع مرور الزمن بالضرر في مجالات لا يمكن التنبؤ بأهميتها مسبقاً.. حتى أولئك الذين يستهترون في القيم الخلقية والجمالية والعملية لا يسعهم أن يتجاهلوا المخاطرة الاقتصادية ذات الأبعاد الهامة كما أن الذين يتمتعون بالصورة الشاملة فلا بد أن يتفهموا أهمية الأركان الأربعة..