إن موقع فلسطين الجغرافي باعتبارها منطقة التقاء بين أوروبا وأسيا وإفريقيا،وبالإضافة إلى تمتعها بأنظمة بيئية متنوعة ناجمة عن التباين الجغرافي والمناخي وما يتصل بذلك من تفاوت في معدلات الأمطار وتوزيعها وتنوع التربة واختلاف تركيبها الجيولوجي بالإضافة إلى الاختلافات الواضحة في تضاريسها الطبيعية والتي تتباين ما بين مناطق صحراوية ومناطق جبلية يصل ارتفاعها إلى ما يزيد عن ألف متر فوق سطح البحر والى مناطق سهلية ساحلية تمتد على مستوى سطح البحر والى مناطق غوريه تنخفض 394 متر عن مستوى سطح البحر،
لقد أدى هذا التباين بحق إلى جعل فلسطين متحفا طبيعيا يذخر بالأنواع المختلفة من الكائنات الحية النباتية والحيوانية .
وقد تبع هذا التباين الواضح في التضاريس تباين مماثل في الحياة البرية لتلك المناطق بما تشمله من غطاء نباتي متميز يحتوي ويضم العديد من النباتات البرية الزهرية وغير الزهرية منها ،بالإضافة إلى التنوع الهائل بالأشجار والشجيرات والنباتات الرعوية ، وكذلك التنوع المميز من الحيوانات البرية والطيور والزواحف والبرمائيات والحشرات وغيرها.
وتعتبر فلسطين جزءاً من شبه القارة العربية النوبية التي قدمت منها أول الحيوانات البرية منذ العصر الفجري (الحديث السابق)، وقد مرت عصور متلاحقة في المنطقة أدت في نهاية الأمر إلى قدوم بعض الحيوانات البرية إليها من عدة مناطق أخرى من العالم مثل الهند، حيث وصلت الذئاب والغزلان والخيول البرية… من خلال مرافقتها لبعض القوافل التجارية.
وقد أدت التغيرات المناخية المختلفة خلال العصور الحديثة ،الأقرب، الأوسط والأعلى حتى العصر الحجري الحديث (منذ سبعة آلاف سنة) إلى أحداث تغيرات عديدة في طبيعة الحياة البرية في فلسطين.
ومن الجدير ذكره هنا أن عالم الطبيعة الفلسطيني المرحوم د. سنا عيسى عطا الله (1970-1941) ، سجل ما يقارب96 نوعا من الثدييات في منطقة شرقي البحر المتوسط وضمها في خمس مجموعات جغرافية حيوانية على أساس توزيعها الحالي وبالشكل التالي:
أنواع المنطقة القديمة :
30 نوعا
متوسطية
17 نوعا
إيرانية طورانية
26 نوعا
صحراوية سندية
نوعان
أنواع شرقية
9 أنواع
أنواع أثيوبية
9 أنواع
أنواع متعددة المناطق
ثلاثة أنواع
أنواع معايشة
وقد وجد د. عطا الله أن هذه المجموعات تضم 5 أنواع و10 تحت أنواع متوطنة.
وجدير ذكره أن مفاهيم حماية الطبيعة المعروفة على المستوى العالمي وفي مقدمتها حماية الحياة البرية لم تطرح في الوقت الحاضر في فلسطين على مستوى المؤسسات الرسمية للسلطة الوطنية أو على مستوى المنظمات غير الحكومية العاملة في فلسطين وبالرغم من أن بعض المؤسسات غير الحكومية أو البرامج التربوية ذات العلاقة قد وضعت ضمن خططها برامج تربوية في هذا المجال إلا أنها لم تكن كافية على الصعيدين الرسمي أو الجماهيري بشكل يؤدي إلى رفع مستوى الوعي البيئي لدى الجمهور الفلسطيني بشكل عام.
وهنا لا بد من الإشارة انه من الضروري للمهتمين بالمحافظة على البيئة في الوقت الحاضر والمستقبل العمل على تركيز انتباههم على الحياة البرية ودراستها من خلال القيام بعمليات المسح البيئي المختلفة لجميع مظاهر الحياة البرية في فلسطين شاملة على جميع الكائنات الحية البرية التي تعيش حياة منفردة أو في مجموعات ،أو لأية مظاهر أخرى مرتبطة للبيئة المحلية بتلك المواقع، أو ما يؤثر على البيئة ، أو التي أثرت عليها في الماضي، أو تلك التي من المحتمل أن تؤثر عليها في المستقبل ، حيث أنها تعمل على :
1)معرفة أنواع وألوان الحياة البرية ممثلة بالأصناف لكل نوع ولكل عائلة وتوثيقها علميا، وكذلك معرفة وضعها سواء كان مهددا أو شبه مهدد أو موجودا بشكل جيد .
2)معرفة المواقع المهمة للحياة البرية والحساسة بشكل عام من أجل المحافظة عليها وخاصة للأجيال القادمة.
3)توفير كافة المعلومات المتعلقة بالتنوع الحيوي والمهمة للباحثين والأكاديميين والعلماء الفلسطينيين والمهتمين بمعرفة المزيد عن التنوع الحيوي أو الحياة البرية.
ومن الأمور التي يجب منحها أولوية خاصة في فلسطين ، ضمن نشاطات صون وحماية الطبيعة هو الاهتمام بالمجتمع البيئي ،وبالأنظمة البيئية المحلية ، باعتبارها مصدرا للمعلومات التي يمكن الاستفادة منها في وضع برامج حماية الحياة البرية في أي موقع من فلسطين، وخاصة إذا تم الأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:
وضع المخاطر العامة التي تُهدد البيئة الطبيعية ،وكيف يمكن تفادي تلك المخاطر
بهدف الحفاظ على الكائنات الحية البرية وتنوعها.
ويمكننا وصف وقياس خصائص المجتمع البيئي في فلسطين بشكل خاص بوسائل معينة مثل:
كثافة المجتمع، والتوزيع العمري، والتوزيع الجنسي، والتنظيم الاجتماعي، ومعدلات النمو والوفاة ، وهذه جميعها تساعدنا في الدراسة العلمية والعملية المستقبلية للمحافظة على الأنواع الموجودة ومعرفة المهددة بالانقراض أو الموجودة بكثرة .
تعتبر جميع هذه العوامل مهمة في تنظيم الحياة البرية وتقدير الاحتياجات اللازمة لها وحمايتها وفي تنظيم عمليات الصيد وغيرها.
ولا بد عند البدء بإجراء دراسة بيئية لمجتمع حيواني بري من معرفة عدد الحيوانات المتواجدة في منطقة الدراسة، وبالتالي تحديد كثافة هذا المجتمع (عدد الأفراد لكل وحدة مساحية من المنطقة التي تعيش فيها).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعداد الحيوانات البرية أمر صعب وليس من الممكن تحديده بدقة إلا من خلال المسح البيئي الميداني لكل موقع على حده .
وقد تتغير كثافة مجتمع حيواني معين نتيجة :
الولادات والوفيات أو الهجرة منها وإليها، ولهذا لا بد من تحديد الكثافة في وقت معين وأن تكون الكثافة مرتبطة بالبيئة المستغلة من قبل الحيوانات، ولكثافة المجتمع علاقة مباشرة أيضاً بكمية ونوع الغذاء الموجود في النظام البيئي.
ويشكل تعداد الحيوانات أساساً مهماً في تحديد باقي المقاييس المرتبطة بتنظيم الحياة البرية وفي مقارنة المجتمعات الحيوانية ببعضهما ومعرفة السعة التحميلية للمواقع المختلفة بكثافة الحيوانات بها وعلاقتها بالمحيط الحيوي الذي يعيش فيه.